كتاب الوضوء : باب لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، إلا عند البناء : جدار أو نحوه
كاتب الموضوع
رسالة
عبد اللطيف شرفه الله بالجنة
عدد الرسائل : 328 العمر : 29 البلد : مشغول بذكر الله تاريخ التسجيل : 23/07/2008
موضوع: كتاب الوضوء : باب لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، إلا عند البناء : جدار أو نحوه السبت سبتمبر 06, 2008 11:39 pm
كتاب الوضوء : باب لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، إلا عند البناء : جدار أو نحوه " حدثنا آدم قال : حدثنا ابن أبي ذئب قال : حدثني الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، شرقوا أو غربوا " . قوله : ( باب لا تستقبل القبلة ) في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة ، وفي غيرها بفتح الباء التحتانية على البناء للفاعل ونصب القبلة ، ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافية ، ويجوز كسرها على أنها ناهية . قوله : ( إلا عند البناء جدار أو نحوه ) ول الكشميهني ( أو غيره ) أي كالأحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر . قال الإسماعيلي : ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور ، وأجيب بثلاثة أجوبة : أحدها أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء ، وهذه حقيقته اللغوية ، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازاً فيختص النهي به ، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة ، وهذا الجواب ل الإسماعيلي وهو أقواها . ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء ، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفاً قاله ابن المنير ، ويتقوى بأن الأمكنة المعدة ليست صالحة لأن يصلى فيها فلا يكون فيها قبلة بحال ، وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح صلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة ، وهو باطل ، ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعده ، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كله كأنه شيء واحد قاله ابن بطال وارتضاه ابن التين وغيره ، لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى ، فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان ، لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال - كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة - فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر ، فالجواب أن أبا أيوب أعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المعتمد ، وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص ، ولولا أن حديث ابن عمر دل على تخصيص ذلك بالأبنية لقلنا بالتعميم ، لكن العمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد و أبو داود و ابن خزيمة وغيرهم تأييد ذلك ، ولفظه عند أحمد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء . قال : ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة " ، والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافاً لمن زعمه ، بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه ، لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر ، ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية جابر ، ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال ، ودل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية ، وحديث جابر على جواز استقبالها ، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط ، ولا يقال يلحق به الاستقبال قياساً ، لأنه لا يصح إلحاقه به لكونه فوقه ، وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكي عن أبي حنيفة و أحمد بالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقاً ، قال الجمهور : وهو مذهب مالك و الشافعي و إسحاق ، وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة ، ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن ابن المنير أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفاً . وبأن الأمكنة المعدة لذلك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة ، بخلاف الصحراء فيهما . وقال قوم بالتحريم مطلقاً ، وهو المشهور عن أبي حنيفة و أحمد ، وقال به أبو ثور صاحب الشافعي ، ورجحه من المالكية ابن العربي ، ومن الظاهرية ابن حزم ، وحجتهم أن النهي مقدم على الإباحة ، ولم يصححه حديث جابر الذي أشرنا إليه . وقال قوم بالجواز مطلقاً ، وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود ، واعتلوا بأن الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الإباحة . فهذه المذاهب الأربعة مشهورة عن العلماء ، ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها . وفي المسألة ثلاثة مذاهب أخرى : منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكاً بظاهر حديث ابن عمر ، وهو قول أبي يوسف . ومنها التحريم مطلقاً حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس ، وهو محكي عن إبراهيم و ابن سيرين عملاً بحديث معقل الأسدي " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط " رواه أبو داود وغيره ، وهو حديث ضعيف لأن فيه راوياً مجهول الحال . وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها ، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس ، وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة ، ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها ، فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقاً لعموم قوله : " شرقوا أو غربوا " قاله أبو عوانة صاحب المزني ، وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى . قوله : " فلا يستقبل " بكسر اللام لأن ( لا ) ناهية واللام في القبلة للعهد أي للكعبة . قوله : " ولا يولها ظهره " ول مسلم " ولا يستدبرها " وزاد " ببول أو بغائط " والغائط الثاني غير الأول ، أطلق على الخارج من الدبر مجازاً من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه ، وحصل من ذلك جناس تام ، والظاهر من قوله " ببول " اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة ، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة ، ويؤيده قوله في حديث جابر " إذا هرقنا الماء " . وقيل مثار النهي كشف العورة ، وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلاً ، وقد نقله ابن شاش المالكي قولاً في مذهبهم وكأن قائله تمسك برواية في الموطأ " لا تستقبلوا القبلة بفروجكم " ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعاً بين الروايتين والله أعلم . وسيأتي الكلام على قول أبي أيوب ( فننحرف ونستغفر ) حيث أورده المصنف في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى .
كتاب الوضوء : باب لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، إلا عند البناء : جدار أو نحوه